دور الطب النووي في تشخيص أمراض الدماغ
يرتكز معظم الأطباء، اليوم، في ممارستهم على التوافر الكبير لتقنيات عدة ومنها التصوير المقطعي المحوسب ( CT)، والتصوير بالرنين المغناطيسي ( MRI). بينما كان يستخدم الأطباء، قبل توافر هذه التقنيات، التصوير الومضي (احدى وسائل التصوير الطبي في مجال الطب النووي لتشخيص الأمراض) للكشف عن التجمّعات الدمويّة تحت الجافية، الأورام الدماغية والحوادث الدماغية الوعائية الحادة.
تعتبر تقنيات التصوير الومضي محدّدة ومحدودة في تشخيص الأمراض، وفي وضع التدخلّات العلاجية. ترتكز قيمة الدراسات في الطب النووي على القدرة على تقييم المعايير الوظيفية والفيزيولوجية بدرجة أكبر من التقنيات التشخيصية الأخرى.
تساعد التقنيات المرتكزة على القائفة المشعّة أو الوسم الاشعاعي ( Radiotracer) على تقييم أورام الدماغ، والكشف المبكر عن عودة الاصابة بالورم، والتخطيط لمدى صوابية اجراء عملية جراحية عند المصابين بمرض الصرع. وتساهم هذه التقنيات، بشكل مهم، في تقييم أمراض الأعصاب.
يتوافر نوعان رئيسيان من مادة الفوتون الفردي المشعّ التي تستخدم لدراسة التروية الدماغية: المواد غير المحبّة للدهن التي لا تعبر حاجز الدموي الدماغي، والمواد المشعّة المحبّة للدهن.
الموت الدماغي
يتضمّن التعريف القانوني للموت، في معظم المواقع، مفهوم الموت الدماغي الذي يشير الى التوقف النهائي لعمل الدماغ وجذع الدماغ بشكل لا رجعة فيه. ويعتبر فحص التصوير الومضي، بالاضافة الى الفحص السريري والتخطيط الدماغي لدراسة تدفق الدم، من ابسط الفحوص التي يمكن الاعتماد عليها والتي تستخدم الأدوية المشعّة المحبة للدهن وغير المحبّة للدهن لدراسة التروية الدماغية. تساعد هذه الآلية في التمييز بين الموت الدماغي الذي لا رجعة فيه، وبين الغيبوبة العميقة وبالتالي تحديد الشخص الذي يمكن ان يكون واهبا للأعضاء. وتظهر التقنيات التي تعتمد على نويدات مشعّة، في مجال الدراسات التي يتم اجرائها على أعضاء محتملة للوهب، ميزة في أن أعضاء الواهب لا تتعرّض لآثار سامة لمواد نقيضة تستخدم في العادة في تقنتي » CT-scan » و » MRI ».
*صورة تظهر عدم وجود تروية دماغية أي
موت دماغي لا رجعة فيه.
*صورة طبيعية للتروية الدماغية
داء الصرع
يعتبر داء الصرع من بين أكثر الاضطرابات العقلية خطورة وشيوعا عند الأطفال في معظم أنحاء العالم وعند جميع طبقات المجتمع. وتسبّب مضاعفات المرض آثار جسدية، نفسيّة، اقتصادية واجتماعية مهمّة عند الأطفال والأشخاص الذين يهتمون بهم.
تاريخيا، يثير العلاج الجراحي عند مرضى الصرع شكوكا بسبب دواعي اللجوء اليه، والأمان في تطبيقه وفعاليته العلاجية. ومع ذلك، تعزز التحسينات الدائمة في مجال التشخيص والتقنيات المعالجة في جعل العلاج الجراحي وسيلة آمنة لمعالجة داء الصرع عند الرضع والأطفال بنتائج ممتازة خصوصا في حال اختيار المرضى بشكل صحيح.
في مجال داء الصرع، تعتبر تقنيات التصوير » SPECT »، و » PET » مع استخدام مادتي » HMPAO » و » FDG » مفيدة في تحديد المناطق المسؤولة عن نوبة الصرع في الدماغ وانتشارها. ويشكّل التحديد الدقيق للأنسجة غير السليمة في الدماغ عاملا أساسيا في اختيار المرضى الذين يمكن لهم الاستفادة من العمل الجراحي لمعالجة داء الصرع ووضع حدّ للنوبات التي لا يمكن السيطرة عليها بالعلاج الدوائي.
*صورة لمنطقة (باللون الأحمر) مسببّة لنوبات الصرع، تم تحديدها بواسطة تقنية
( SPECT-HMPAO) في الطب النووي ما سهّل العمل الجراحي
الأورام الدماغية
يتم استخدام مادة » FDG »في تشخيص الأورام الدماغية ووصفها. ومع ذلك، يعتبر التشخيص بوساطة استخدام مادة » FDG » محدودا بسبب ارتفاع معدل استقلاب مادة الجلوكوز ومعدّل امتصاص الوسم الاشعاعي في انسجة الدماغ الطبيعية. دفع هذا العائق الى تطوير بعض انواع الوسم الاشعاعي مثل C 11-MET;F18-FET;F18-FLT” » واستخدامها كعلامات في عملية نقل الأحماض الأمينية واستقلابها وانتاج الحمض النووي.
تستهدف هذه الأنواع من الوسم الاشعاعي الأورام في الدماغ، وتساهم في تحديد درجات عدوانيتها. وتساعد، بشكل هام، في التمييز بين عودة الورم وبين تفاعلات الأنسجة بعد الجراحة ونشوء الندوب في الأنسجة ما يساهم في تحديد العلاج للمرضى في حال عودة الورم الدماغي.
MRI 18F-FDG 11C-Methionine
*لم يظهر الورم الدماغي بتقنية « FDG » بل ظهر بتقنية » C11-MET ».
ورم دماغي بتقنية « F-DOPA ».
أمراض الأعصاب وضعف الذاكرة
ترتبط الأمراض العصبية مثل الازهايمر، مرض بيك، داء هنتنغتون بانخفاض معدل استقلاب الكلوكوز في بعض الأجزاء في الدماغ. ترتبط جميع هذه الاضطرابات بانخفاض عملية الاستقلاب في مناطق محددة في الدماغ والتي يمكن تمييزها بتقنية » FDG-PET ». وتسمح دراسة صور الدماغ بشكل تسلسلي بتقنية » FDG-PET » بمراقبة معدل تدهور المرض.
يشكل داء الالزهامير أكثر أنواع الخرف شيوعا عند الكبار في العمر اذ يصيب، على سبيل المثال، 4.5 مليون أميركي، ويؤثر المرض على قدرة الفرد في القيام بمهامه اليومية.
يعتبر من الصعب، سريريا، التمييز بين التدهور الادراكي المعتدل الناجم عن اضطراب عصبي أو الناجم عن أسباب غير عصبية مرتبطة بالتقدم بالعمر. تدعم الدراسات السريرية دور بعض انواع الوسم الشعاعي الجديدة ( the carbon-11-labeled Pittsburgh compound B (PIB), the fluorine-18-labeled-2-dialkylamino-6-acylmalononitrile-substituted naphthalenes) في التمييز بين المراحل المبكرة من الأمراض العصبية وغيرها من الاضطرابات الادراكية المرتبطة بالتقدم بالعمر. وتعتبر هذه الأنواع الجديدة من الوسم الاشعاعي مفيدة في مراقبة تدهور المرض ونتائج العلاج.
تشمل الأهداف المستقبلية الأساسية العمل على تطوير سبل التشخيص، والعلاجات الوقائية للاضطرابات العصبية مثل الالزهايمر. ويستوجب العمل لبلوغ الأهداف فهم أوسع للتغيرات الجزيئية التي تحدث في الدماغ في المراحل المبكرة للمرض. ويساهم توافر أنواع من الوسم الاشعاعي التي تم تطويرها لتحديد التغيرات الجزيئية ومراقبة الاستجابة للعلاج في تحقيق الأهداف المنشودة.
*صورة لمريض الزهايمر تظهر انخفاض نشاط خلايا المناطق المصابة
لا يتوافر حتى الآن، في الكثير من المراكز، الوسم الاشعاعي مثل » fluorine-18-fluoroDOPA » الذي تم تطويره لتقييم نظام الدوبامين في الدماغ. فيساعد توافر هذه الأنواع وغيرها من الوسم الاشعاعي في جعل تشخيص مرض الباركنسون والتشخيص التفريقي مع الأمراض الأخرى أكثر دقة. من جهة أخرى، يؤدي مرض الباركنسون الى تدهور نظم أخرى للنواقل العصبية ومنها » Cholinergic، noradrenergic، serotonergic » فيشكّل استخدام تقنيات التصوير بالمواد المشعّة لمراقبة التغيرات في هذه النظم احدى التوجهات المهمة للبحث في المستقبل.
كما يشكّل علاج بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، الفصام، الادمان تحديّا كبيرا. اذ تعتبر الكثير من العلاجات الموجودة غير مناسبة، في ظل مضاعفات كبيرة ونسبة استجابة ضئيلة. لذا، يساعد توافر انواع محدّدة من الوسم الاشعاعي بشكل واسع ،التي يمكن استخدامها في البحوث في علوم الأعصاب عند الانسان، في فهم الآليات البيولوجية لتلك الأمراض و تطوير علاجات أفضل، ووصف العلاج المناسب للمريض وفق حالته المرضية.
في الختام، يعتبر الطبّ النووي عاملا أساسيّا في تشخيص الأمراض الدماغية، لا سيّما أورام الدماغ، وأمراض الأعصاب ما يساعد الأطباء في تحديد العلاجات المناسبة للقضاء على المرض في مراحله الأولى.